المرأة الإماراتية ترسم ملامح التحول الرقمي في الإمارات بالعلم والخبرة وتطوير المهارات
قيس الزريبي، المدير العام لشركة “كورسيرا” في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا
تؤكد المساهمات المؤثرة للمرأة الإماراتية في دفع عجلة النمو الاقتصادي والابتكار على مدى التقدم الملحوظ الذي أحرزته دولة الإمارات العربية المتحدة نحو تحقيق التكافؤ بين الجنسين، كما أبرزه تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025. فقد حققت الدولة بالفعل قفزة كبيرة في سد الفجوة بين الجنسين، حيث تقدمت من المرتبة 120 في عام 2020 إلى المرتبة 69 في عام 2025. ومن الجدير بالذكر أن دولة الإمارات تتحدى الاتجاهات العالمية من خلال زيادة نسبة تمثيل المرأة في المناصب القيادية بصورة كبيرة، إلى جانب ارتفاع أوسع في معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل.
هذا التقدم الملحوظ ينبع من الاستثمارات الاستراتيجية لدولة الإمارات في قطاع التعليم. فقد أسهمت معدلات الالتحاق المرتفعة، من التعليم الأساسي وحتى التعليم العالي، في تسريع التقدم المستمر نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، وهو التزام تعززه المزيد من المبادرات الوطنية الطموحة. وتهدف كل من الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030 واستراتيجية التعليم 33 في دبي إلى تنمية جيل من المبتكرين والقادة الموهوبين من كلا الجنسين لقيادة مستقبل الدولة. وتبني السياسة الوطنية لتمكين المرأة الإماراتية 2023-2031 على هذا الالتزام، بما يعزز مشاركة المرأة في جميع القطاعات، مع تركيز خاص على قطاع التكنولوجيا.
ولقد أتت هذه الاستراتيجيات التي تركز على تمكين المرأة، ثمارها وحققت نتائج ملموسة. فاليوم، تُشكل النساء 56% من خريجي الجامعات الحكومية في الإمارات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتلتحق 95% من خريجات المرحلة الثانوية بالتعليم العالي، مُقارنةً بـ 80% من الذكور. ويُسلط تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين الضوء على أن النساء في الإمارات أكثر احتمالاً بنسبة تصل إلى 28% من الرجال لامتلاك خبرة مهنية مُتعددة المجالات، إذ تُؤهلهُن هذه المهارات المتنوعة بشكل فريد لتلبية متطلبات سوق العمل المتغير، لا سيما في الوظائف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات الناشئة.
وفي إطار رؤية “نحن الإمارات 2031” الطموحة، تمضي الدولة قدماً نحو بناء اقتصاد رقمي مستدام قائم على المعرفة. ويُعد التطوير الديناميكي للمهارات عنصراً أساسياً لتحقيق هذه الرؤية، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعلم مدى الحياة، وتعزيز التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، واكتساب الكفاءات الحيوية، لا سيما في المجالات ذات الطلب المرتفع مثل الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وعلم البيانات.
وتُسهم شركات القطاع الخاص في دعم هذه الجهود من خلال تبني سياسات شاملة للجنسين تُمكّن المرأة من التقدّم وتَولي أدوار قيادية في مجال التكنولوجيا. كما تقود المرأة في الإمارات مجموعة من أكثر المشاريع الوطنية طموحاً، حيث تُشكل 45% من العاملين في قطاع الفضاء، بينما تُمثل المرأة الإماراتية نحو 20% من القوى العاملة في القطاع النووي.
هذه الجهود الشاملة، بما في ذلك برامج تطوير القوى العاملة الحكومية مثل “نافس” وغيرها من المبادرات التي توفر التدريب والتوجيه وفرص التواصل المهني، قد هيأت بيئة داعمة للمرأة الإماراتية. ويعزز هذا الدعم تمكين المرأة من خلال التعليم والمشاركة الاقتصادية على حد سواء.
مع ذلك، ومع تسارع وتيرة دولة الإمارات نحو مستقبلها التكنولوجي، تبرز تحديات جديدة. ففي حين يُولي أصحاب العمل أولوية متزايدة للثقافة التكنولوجية، يكشف تقرير المهارات العالمية لعام 2025 الصادر عن منصة “كورسيرا” أن فجوات المهارات في دولة الإمارات العربية المتحدة لا تزال أعلى من المتوسطات العالمية، مما يُشكل عائقاً كبيراً. ويتجلى هذا بشكل خاص في دراستنا، التي تكشف أنه على الرغم من الارتفاع الملحوظ بنسبة 344% على أساس سنوي في أعداد المسجلين في برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي في الدولة، فإن المرأة لا تمثل حالياً سوى 21% من هؤلاء المسجلين. وستكون معالجة هذا التفاوت وزيادة مشاركة المرأة في التقنيات الناشئة الحيوية أمراً ضرورياً لاستدامة التحول الاقتصادي في الإمارات، وبما يضمن تحقيق الدولة بصورة كاملة لمساهمة الذكاء الاصطناعي المتوقعة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، والتي تبلغ 96 مليار دولار أمريكي.
علاوة على ذلك، يتطلب تحقيق التقدم المستدام، لا سيما في ظل ما تُحدثه تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة من تغييرات جذرية في مختلف القطاعات، استثماراً مستمراً في رأس المال البشري. ويجب أن تتماشى جهود تنمية المهارات وإعادة تأهيل الكفاءات مع متطلبات القطاعات المستقبلية، مثل التكنولوجيا والاستدامة والصناعات المتقدمة. ولإحداث تغيير حقيقي وتسريع المساواة بين الجنسين في سوق العمل، يجب إعطاء الأولوية للتعليم كمحرك رئيسي للتمكين، من خلال استثمارات موجّهة في التعليم العالي والتدريب المهني للنساء.
ويؤكد الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والمتعلق بتعزيز المساواة بين الجنسين، على هذه الضرورة. ويُعد التعاون بين القطاعين العام والخاص أمراً مهماً في هذا الصدد، إذ يُمكن للقطاع الخاص توسيع نطاق التأثير من خلال توفير فرص العمل، وسد الفجوات الرقمية بين الجنسين، وتخطيط استثمارات على المدى الطويل لدعم فرص التعلم مدى الحياة للجميع.
ولإزالة الحواجز الهيكلية التي تعيق الوصول إلى المناصب القيادية والتقدم الوظيفي، لا بد من مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل. ويتطلب ذلك زيادة التركيز على التدريب المتخصص في قطاعات محددة، والشهادات المصغّرة، والدورات التدريبية المفتوحة عبر الإنترنت، وغيرها من قنوات التعليم والتدريب، وهي مجالات يمكن للقطاع الخاص أن يلعب فيها دوراً محورياً. وتوفر منصات مثل “كورسيرا” مسارات تعليمية مرنة وميسّرة للنساء في دولة الإمارات من مختلف الفئات العمرية لاكتساب المهارات الرقمية الأساسية، مما يجعل التعلم المستمر هدفًا قابلًا للتحقيق. كما يجب على الشركات إدراك القيمة الفريدة للمهارات الإنسانية التي تتمتع بها النساء بطبيعتهن، مثل التواصل، والتعاون، والإبداع، واستثمارها في بيئة العمل الحديثة.وفي المنطقة، تُعتبر دولة الإمارات نموذجاً يُحتذى به في تمكين المرأة. وقد ساهمت استثماراتها المستمرة في تطوير المهارات والتعلم مدى الحياة، التي تُمكّن المرأة من تحقيق إمكاناتها الاجتماعية والاقتصادية، في تعزيز التقدم نحو تحقيق المساواة. ومع احتفالنا بيوم المرأة الإماراتية، يجدر بنا أن نُبرز الدور الحيوي والمحوري الذي تلعبه المرأة في رسم ملامح مستقبل الوطن. ومن أجل قيادة دولة الإمارات نحو مستقبل أكثر مرونة وقائم على المعرفة، يجب أن يظل تمكين المرأة من جميع الفئات العمرية في صميم استراتيجية النمو المستدام للدولة.
ابق على اطلاع دائم
اشترك في نشرتنا البريدية لتلقي آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني