الثقافة الواسعة بالأسواق هي “العملة الجديدة” في إدارة الثروات




 
بقلم كالبيش كاخرِيا – رئيس مجلس إدارة كلاي جروب Klay Group 
هناك مقولة شهيرة تقول “Culture eats strategy for breakfast” ومعناها هو مهما كانت خطتك الإستراتيجية جيدة، فإنها لن تصمد ما لم يشارك فريقك في الثقافة المناسبة. حيث تؤكد هذه العبارة حقيقة لم يعد بوسع شركات إدارة الثروات تجاهلها. ففي قطاع يحركه عالم الأرقام والتوقعات والهندسة المالية المعقدة، تبرز الثقافة – أي القيم المشتركة والسلوكيات والعقليات – بوصفها العامل الحاسم في التفريق بين من يزدهر ومن يتعثر.

الثقافة ليست شعاراً دعائياً في أقسام الموارد البشرية، بل هي المحرك الخفي الذي يرسّخ الثقة، ويمنح المرونة، ويبني علاقات طويلة الأمد مع العملاء. وعلى عكس المؤسسات الكبرى التي تستند إلى حجمها أو قوة علامتها التجارية، فإن الشركات المتخصصة الصغيرة (Boutique firms) لا تملك تلك الرفاهية. ميزتها التنافسية تكمن في قدرتها على إقامة روابط عميقة مع العملاء وتقديم حلول مصممة خصيصاً لهم. وهنا تصبح الثقافة العملة التي تمكّنها من ذلك.
الثقافة كرأسمال استراتيجي
بالنسبة لشركات إدارة الثروات المتخصصة، تمثل الثقافة رأس مال استراتيجي. فالثقافة المتماسكة والقوية تمكّن الفرق من العمل كوحدة واحدة، وتعزز التعاون بين مختلف التخصصات. وعندما يمتلك كل عضو في الفريق – بغض النظر عن موقعه الوظيفي – صوتاً مسموعاً في عملية اتخاذ القرار، تكون النتيجة شعوراً مشتركاً بالمسؤولية ومخرجات أكثر قوة. العملاء يلمسون هذا التوافق؛ إنهم يدركون أن مستشاريهم لا يقتصر دورهم على تنفيذ الصفقات، بل يشاركون فعلياً في الاستثمار بمستقبلهم الطويل الأمد.
وتتضاعف أهمية هذا النهج في منطقة الخليج، حيث تبحث العائلات التجارية، والصناديق السيادية، وأصحاب الثروات الفائقة (UHNWIs) عن ما يتجاوز الحلول المالية البحتة. إنهم يحتاجون إلى شركاء جديرين بالثقة يفهمون تعقيدات الإرث العائلي، وتحديات انتقال الثروة بين الأجيال، وقضايا العولمة. هنا، تتحول الثقافة مباشرة إلى مصدر للثقة.
المرونة في سوق معقد
من مزايا الثقافة المؤسسية الواضحة أيضاً قدرتها على التكيف. فالمؤسسات الكبرى غالباً ما تتحرك ببطء بفعل الإجراءات الجامدة والبيروقراطية. أما الشركات الصغيرة، فتمتاز بالقدرة على التحول السريع، واستيعاب الابتكار، وتقديم حلول مصممة وفق احتياجات العملاء.
هذه المرونة لا تتعلق بالسرعة في حد ذاتها، بل بقدرة المؤسسة على البقاء ذات صلة في بيئة مالية تتغير بين ليلة وضحاها تحت وطأة تحولات الاقتصاد الكلي، والتحديثات التنظيمية، والتقلبات الجيوسياسية. والعملاء يطالبون بشكل متزايد بهذا النوع من الاستجابة، وهو ما تمنحه ثقافة منفتحة وتعاونية وريادية.
ما وراء الأرقام: بناء الإرث
في ظل استمرار تطور قطاع إدارة الثروات، بات من الضروري أن تدرك الشركات أن الثقافة ليست تفصيلاً ثانوياً، بل هي جوهر النجاح المستدام. فبالنسبة للعائلات التي تدرس خطط توريث الثروة، أو رواد الأعمال الذين يسعون للتوسع عالمياً، أو المؤسسات التي تبحث عن استراتيجيات استثمار مرنة، فإن القيم والسلوكيات التي يتحلى بها المستشارون تساوي في أهميتها النماذج المالية.
في هذا السياق، لا تقتصر الثقافة على رضا الموظفين أو قوة العلامة التجارية. إنها أصل موجَّه نحو العميل، يشكل الثقة، ويؤثر في عملية اتخاذ القرار، ويحدد ما إذا كانت العلاقات ستصمد عبر الأجيال. أما الشركات التي تغرس في نسيجها المؤسسي ثقافة التعاون والمرونة والنزاهة، فستكون الأقدر على مواجهة التقلبات، واحتضان الابتكار، وتحقيق نتائج ذات معنى.
مستقبل إدارة الثروات في الخليج
في منطقة الخليج، حيث تتنامى الثروات وتتنوّع، يُتوقع أن يشهد العقد المقبل زيادة في الطلب على خدمات استشارية متخصصة ومصممة بدقة. سيطالب العملاء باستراتيجيات حديثة لإدارة المحافظ الاستثمارية، وإمكانية الوصول إلى استثمارات بديلة، وتوجيهات لعبور الأطر التنظيمية المعقدة. ومع ذلك، فإن ما سيمنح المستشارين قيمة أكبر من أي قدرات تقنية هو عامل أقل ملموسية وأكثر ديمومة: الثقافة.
تُظهر التجارب أن التعامل مع الثقافة كـ”عملة” يحقق عوائد تراكمية. فهي تجذب الكفاءات المناسبة، وتغذي روح الابتكار، وتبني الثقة التي تشكل الأساس لاستراتيجيات إدارة الثروات العابرة للأجيال. وفي عصر يمكن فيه تقليد المنتجات المالية وتسوية الملعب بفضل التكنولوجيا، تبقى الثقافة العنصر الفارق الذي لا يمكن تحويله إلى سلعة.
ومع ازدياد الطابع العالمي والمعقد والمتمحور حول العملاء لقطاع إدارة الثروات، تصبح الرسالة واضحة للشركات المتخصصة: الثقافة ليست مجرد فلسفة داخلية، بل هي العملة الجديدة للثقة، والملاءمة، والأثر المستدام.





ابق على اطلاع دائم

اشترك في نشرتنا البريدية لتلقي آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني